الطالب الموهوب، هل نقومُ بترفيعه صفًا؟ التسريع التعليميّ كأحد الحلول للطلّاب الموهوبين د. فارس قبلاوي - جمعية ابداع لتطوير الثقافة والتعليم
هاتف : 46319262
فاكس : 046942350
ايميل : [email protected]

الطالب الموهوب، هل نقومُ بترفيعه صفًا؟ التسريع التعليميّ كأحد الحلول للطلّاب الموهوبين د. فارس قبلاوي

الطالب الموهوب، هل نقومُ بترفيعه صفًا؟

التسريع التعليميّ كأحد الحلول للطلّاب الموهوبين

د. فارس قبلاوي

9.04.2019

 

يتساءل الكثير من الأهالي عن قضيّة ترفيع الطلّاب الموهوبين متخوّفين من وجود أبعاد سلبيّة لعمليّة التسريع. وهناك تساؤلات شبيهة من قبل المعلّمين عن جدوى العمليّة ونجاعتها. فهل من المفضّل أن يتمّ ترفيع الطلّاب الموهوبين؟ وما هي الآليّة المثلى لذلك؟ ومن يقرر في الموضوع؟ وما هي التبعات الإيجابيّة والسلبيّة لعمليّة التسريع؟ سنحاول من خلال هذه المدوّنة أن نلقي الضوء على بعض الجوانب المتعلّقة بترفيع الطلّاب الموهوبين.

الإجابة المختصرة

جوابنا السريع على هذا التساؤل هو أن عمليّة التسريع ممكنة، وقد تكون مفيدة جدا، وحتّى ضروريّة ولازمة، للطلاب الموهوبين، مع الأخذ بعين الاعتبار أمرين مهمّين جدا: قدرات الطالب التعليمية من جهة، ونضوجه الاجتماعيّ والنفسيّ من جهة أخرى. ففي حال كون الطالب قادرا على استيعاب مواد تعليميّة معدّة لطلّاب أكبر منه سنًّا، وفي حال كون مهاراته الاجتماعيّة والنفسيّة ناضجة كفاية، وعنده قدرة ملحوظة على التواصل والتعامل مع من يكبرونه بسنة (أو أكثر)؛ فمعنى ذلك أنه تحقّقت لديه شروط التسريع، ويمكن مبدئيّا التفكير في ترفيعه. وفي حال كونه مناسبا للترفيع فقد يكون الامتناع عن ترفيعه إجحافا بحقّه، وقد تكون آثار عدم التسريع سلبيّة للغاية، خاصّة إذا كانت المدرسة لا تشمل برنامجا خاصا بالطلّاب الموهوبين.

الإجابة الأشمل

عمليّة الترفيع أو التسريع التعليميّ لها مفاهيم كثيرة، لكنها تعني بالأساس أن يقوم الطالب بتخطّي أو تجاوز سنة تعليميّة واحدة او أكثر، بحيث يدرس منهاج السنة التي يتخطّاها بذاته أو بمساعدة الأهل أو المعلّمين، وهو يقوم بذلك بسرعة نسبيّة، بالنظر إلى قدراته الذهنيّة المتقدّمة. عمليّة التسريع هي واحدة من عدّة حلول ممكنة لمشكلة الملل التي يشعر بها الطلّاب الموهوبون، وليست بالطبع الحلّ الوحيد.

أوّد أَوَّلا التنويه إلى أنّه عند التسريع، فإنّ الطالب الموهوب يجد تحديًّا مناسبا لقدراته حال تعلّم موادّ متقدّمة ولا يشعر بالملل تجاهها، إذ تشير الكثير من الأبحاث والتجارب المبنيّة على نظريّة الأهداف (Goal Theory) إلى أنّ المتعلّم يظهر دافعيّة أكبر لتعلّم الموادّ التي تشكلّ له تحديّا معقولا، وبالفعل فإنّ إحدى أكثر العبارات شيوعا عند المتعلّمين الموهوبين هي عبارة "أنا أشعر بالملل"، وقد يعلنون صراحة عن عدم رضاهم عن المدرسة أو حتّى عدم رغبتهم في الذهاب إليها، والأهمّ من ذلك برأيي هو أن عدم تلقّي الطالب الموهوب لمهمّات وموادّ تعليميّة تناسب قدراته الذهنيّة قد يؤدّي إلى ضمور قدراته الذهنيّة أو بعضها وتأثّرها سلبا، وقد نصل إلى وضع لا يتدرّب فيه الطالب الموهوب على التعامل مع موادّ متقدّمة إلا حين يصل إلى الجامعة، وفي هذه الحالة قد يشكّل الأمر صدمة له، ولنتذكّر أيضا أن القدرات العقليّة مثل العضلات، إذا لم نستخدمها ستضمر.

النتيجة المرافقة لعمليّة التسريع هي اختفاء أو تقليل المشاكل السلوكيّة عند الطلاب الموهوبين؛ لأنّ ذهاب الملل يعني عدم تشتّت فكر الطالب وانشغاله بالمهمّات التي يعكف عليها، كما أنّ عملية التسريع تمنح الفرصة للطالب الموهوب لكي يندمج مع طلاب يجارونه في القدرات التفكيريّة والاجتماعيّة. تخوّفات الأهل المتعلّقة في الجانب الاجتماعيّ للطلّاب قد تكون مبالغا فيها في كثير من الحالات. فرق السنة بين المتعلّمين لا يشكّل برأيي عقبة اجتماعيّة، فمع التقدّم في الجيل تصبح الفروقات الذهنيّة والاجتماعيّة أقل وضوحا. فمثلا هناك فرق واضح وملموس بين رضيع عمره يوم وآخر عمره سنة، وكذا الحال بين طفل عمره سنتين وآخر عمره ثلاث، لكن بين طالب عمره 10 سنوات وآخر عمره 11 سنة يكون الفرق أقلّ وضوحا، ولنتذكّر أنه في الوضع الطبيعيّ قد يكون في نفس الصفّ طلّاب يكبرون زملاءهم بعدة أشهر أو عام (كما الحال مع من يولدون في بداية العام وفي نهايته) دون أن يؤثّر ذلك على علاقاتهم أو قدراتهم. يمكن بالفعل أن يكون هناك داعٍ أكبر للقلق عند ترفيع طالب سنتين أو أكثر، خاصّة عند بلوغهم جيل المراهقة، إذ إنّ المترفعين يدخلونه متأخّرين، ولكن حتّى هذه يمكن التغلّب عليها بالإعداد النفسيّ الجيّد للطالب وبفتح قنوات تواصل معه.

مع ذلك يجب الانتباه إلى أنّه قبل اتخاذ قرار التسريع يتوجّب استشارة مختصّ نفسيّ للتأكد من نضوج الطالب النفسيّ والاجتماعيّ والعاطفيّ، لكن نظرة الأهل أكثر أهميّة برأيي؛ لأنهم يختبرون أبناءهم طوال الوقت ويعرفون عنهم الكثير، كما أنّه من المهم التأكد من أن قدرات الطالب التعليميّة جيدة في كل المواضيع وليس في واحد منها أو بعضها فقط، لكي لا تكون هناك حالة تكون فيها قدرات الطالب اللغويّة جيّدة بينما القدرات الرياضية (الحسابية) غير متطورة بما يكفي، كما من المهمّ أيضا تجهيز الطالب نفسيّا لعمليّة التسريع ومناقشة تبعات ذلك معه.

والأهمّ من ذلك كلّه إشراك الطالب في قرار التسريع، خاصّة إذا كان في جيل يسمح له بمناقشة الأمر، وهنا يجب الانتباه إلى أن عمليّة التسريع يمكن أن تحدث في كل مرحلة وليست مقتصرة على المرحلة ما قبل الابتدائيّة أو الابتدائيّة، لكن برأيي يتوجب البدء بالتفكير في إجراءات التسريع في اللحظة التي نشعر فيها بقدرات الطالب المميّزة، ولنتذكّر أن الامتناع عن ترفيع طالب موهوب وناضج اجتماعيّا ونفسيّا قد يشكّل إجحافا كبيرا بحقه!